ليبيا : حوار خاص مع السفير الإيطالي بطرابلس ’’من الضروري عدم الشخصنة في السياسة’’. غسان سلامة؟’’ يملك منهجية جيدة’’.

حاورته فانيسا توماسيني

هناك اجماع على ان الوضع في ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي سنة 2011 متشعب ومعقد للغاية، العامل الأول الذي يفسرهذا التعقيد هو المساحة الجغرافية الشاسعة التي تحتل المرتبة الرابعة افريقيا والثامنة عشر عالميا.
تاريخيا، حافظت ليبيا على وحدتها لكن عرفت في مناسبات عديدة ظهور اقليمين هامين طرابلس و برقة بثقافات و ايديوجيات متضادة، هذه الوحدة استغلها كما يجب كل من تعاقب على حكم ليبيا من غزاة و مستعمرين و دكتاتوريين.
تطل المستعمرة السابقة لإيطاليا على البحر الأبيض المتوسط من خليج سرت بين خطي الطول العاشر و الخامس و العشرون شرقا
سياسيا، تنقسم البلاد الى حكومتين رئيسيتين , المجلس الرئاسي بطرابلس معترف به من قبل المجتمع الدولي يقوده فايز السراج و مجلس النواب بمدينة طبرق بقيادة عقيلة صالح.
رغم قوة الجيش الليبي ,فشل في دمج المليشيات ,لازالت البلاد تعيش منذ سنة 2011 ازمة حادة على نواحي عدة اقتصاديا و صحيا و خاصة على المستوى الأمني الذي ينعدم كليا ببعض المناطق في الجنوب اين تتناحر المجموعات المسلحة.
صرح مؤخرا النائب العام الليبي صادق عاشور خلال مؤتمر صحفي عقد بالعاصمة ان تنظيمات إرهابية كالقاعدة و تنظيم الدولة الإسلامي استغلت حالة الفوضى و وجدت أرضية خصبة لنشر افكارها لتتمكن من التمركز في الصحراء في مدن عديدة.
يوم امس سجل اعتداء إرهابي بمدينة مصراتة أدى الى مقتل عديد الأشخاص و سقوط عشرين جريحا تم اسعافهم في المستشفى الميداني بالمدينة الذي تديره بعثة إيطالية.
تسارع وتيرة العنف و مناخ عدم الاستقرار دفع البعثات الدبلوماسية الغربية الى مغادرة البلاد خلال السنوات الماضية، لكن مع بداية السنة الحالية اعادت إيطاليا فتح سفارتها في ليبيا بعد اغلاقها لما يقارب السنتين.
علاوة على كونه حركة تعاطفية جيدة مع الشعب الليبي فهذا القرار يمثل ثقة كبيرة في عملية إعادة الاستقرار الى بلاد تتدفق عبر سواحله أفواج من المهاجرين غير الشرعيين من افريقيا نحو السواحل الإيطالية.
أنجزت البعثة الدبلوماسية الإيطالية منذ شهر يناير أنشطة عديدة باسم المصالحة وتحسين الظروف المعيشية للشعب الليبي المثقل بالآلام.
وللخوض اكثر في تعقيدات المسألة الليبية توجهنا الى السيد جوزيبي بيروني السفير الإيطالي بليبيا و طرحنا عليه معظم النقاط التي تحظى بأكبر قدر من الاهتمام في الوقت الراهن.

-سيادة السفير، ماهي أنشطة السفارة هنا؟ ماهي المهام الإيطالية قيد التنفيذ؟

’’بما اننا السفارة الغربية الوحيدة المتواجدة هنا, فان برنامج عملنا ثري للغاية الى درجة يصعب فهمه
بطبيعة الحال متابعة المسار السياسي ودعمه، الضغط من اجل تجاوز الانقسام, بالتالي كل المبادرات الرامية لتعزيز المصالحة ,لكن في الوقت نفسه إيطاليا عبر سفارتها هنا ينصب اهتمامها على النواحي الأمنية و تحقيق الاستقرار من الطبيعي ان تكون على راس اهتماماتنا العمل على وقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين و التجارة بالبشر.

هذا الامر يتطلب مبادرات مختلفة بدءا من الامنية البحتة التي تهدف الى تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية الليبية و غيرها من المبادرات ذات الطابع التنموي و دعم الفئات التي تعرضت الى ظواهر غير مشروعة.
وجود إيطاليا كبلد غربي وحيد هنا يحظى بتقدير الليبين وتعتبر السفارة بجميع ما تقدمه من أنشطة تقديم تأشيرات الدخول –كبلد وحيد- و خدمات التي تقدمها للأهالي مرجعا ثابتا و موثوقا به من قبل الشعب الليبي.
بالنسبة للمهام التي نقوم بها تتمثل بالأساس في مهمات طبية إنسانية بمدينة مصراتة اين ركزنا مستشفى ميداني يقدم خدمات و عناية بالجرحى, بالأمس جد اعتداء إرهابي و سارع المستشفى الى مساعدة المتضررين.
صادقت الحكومة مؤخرا على ارسال بعثة للبحرية الايطالية في مدينة طرابلس للمساعدة و دعم مجهودات البحرية و قوات خفر السواحل الليبية في بسط سيطرتها وسيادتها على جميع المناطق في البلاد.’’

-نعلم جيدا ضعف الامن في ليبيا. ماذا يمثل ذلك بالنسبة لك ولموظفينا هنا؟ هل سبق ان تعرضتم للخطر؟
’’تعاني ليبيا تشتت امني بسبب غياب جيش موحد يعمل تحت قيادة تحظى بالتوافق و تحت تصرف السلطات السياسية و هذا الامر يتطلب تحديات و يطرح مشاكل و يتسبب في مشاكل امنية و اخطار متزايدة نعي جيدا خطورتها
سفارتنا تعمل ضمن نظام حماية معين يندرج في اطار الاستثمار السياسي الذي تسعى من خلاله الى توفير كل الظروف الملائمة للقيام بالمهمة الدبلوماسية على اكمل وجه
هناك بالفعل تهديد لكن دائما ما يكون تعامل عناصرنا المختصة معه بحرفية بالتعاون مع الاجهزة الأمنية الليبية التي أظهرت على الدوام استعداد للتعاون و حضور ناجع.’’
-لا يحظى التدخل الأجنبي في ليبيا بترحيب شريحة هامة من الليبييين لذلك بعد انتشار خبر الموافقة على ارسال البعثة البحرية حدثت بعض الاحتجاجات, هل استاء البعض من الزيارة الأخيرة لخليفة حفتر الى روما ؟

’’ صحيح ان هذه البعثة البحرية لم تحظى بترحيب جيد فور صدورها و وصلتنا انتقادات عديدة خاصة شرق البلاد لكن بعد ان شرحنا و بشكل معمق طبيعة هذه المهمة لكل الأطراف الفاعلة على انها تهدف الى تقوية السيادة الليبية و لا تضعفها تغير بشكل كلي التعاطي مع هذا الامر.
تلقينا مقابل رسائل الدعم الى ليبيا كل الترحيب الذي ساعدنا و لاحظنا نتائج هامة فمثلا بالأمس ابحرت سفينة حربية ليبية بعد فترة طويلة, نحن بصدد تقديم الدعم لكل وحدات الجيش الليبي’’

-قامت صحيفتنا متبوعة ببعض وسائل الاعلام العالمية كصحيفة ذي قارديان ببث مقاطع فيديو للمدونة الامريكية ’’جاست سكيرتي’’ التي تظهر مسؤولية الرجل الأول في طبرق في القيام بعمليات اعدام بعد ادانة محكمة العدل الدولية للقائد الورفلي
هل تعتقد ان حفتر ستتم ملاحقته دوليا؟

’’ بالتأكيد ستكون هناك ملاحقة لان التحقيق لايزال جاريا والاتهامات جدية و معمقة و من الواضح انها ستكشف في مجملها,لا استطيع تحديد من سيشمله التحقيق لانه من السابق لاوانه الحديث عن نتائجه و لكنه بالتأكيد تحقيق جدي للغاية و محكمة الجنايات الدولية – إيطاليا عضو مؤسس- ستتعامل مع الموضوع بمنتهى الحرفية’’

-عبرت الحكومة الإيطالية مؤخرا عن دعمها المطلق لمبادرة البعثة الأممية الى دعم ليبيا للأمم المتحدة.هل هناك إمكانية لمشاركة جنود ايطاليين في مهام جنوب البلاد؟

’’ لا, بل ستكون هناك أنشطة دعم على الميدان في الجنوب أيضا لان احتواء الهجرة الغير شرعية يرتبط أساسا بالتدخل من اجل استقرار الحدود الجنوبية ,ان هدف استراتيجيتنا هو بالتحديد تعزيز قدرات الجيش الليبي من اجل السيطرة على الشريط الحدودي الجنوبي. و في هذا الاتجاه نعمل مع حرس الحدود الليبي و كل الاجهزة الأمنية اللليبية لبلوغ الهدف المنشود.

الامر لا يتطلب تدخل عسكري بالتراب الليبي لكن دعم الوكالات و القوى الليبية التي تعمل على السيطرة على المناطق و الحدود.’’

-المبعوث الخاص للأمم المتحدة غسان سلامة فتح الحوار السياسي للجميع باستثناء الجماعات المتطرفة التي قررت عدم المشاركة ,هل تعتقد انه من الممكن عودة عائلة القذافي الى الساحة؟ خاصة سيف الإسلام,كيف ستتصرف محكمة العدل الدولية ان حصل ذلك؟

’’اعتقد ان غسان سلامة اختار المنهج الصحيح ,عملية شاملة لكل الاطراف كل من يرغب في المشاركة بمصداقية و جاهز للتفاوض مع الاخرين مرحب به,لان ليبيا اليوم في حاجة الى الجميع لتجاوز هذه التفرقة الداخلية و التجزئة.
و بالنسبة لسيف الإسلام هناك بطاقة جلب في شخصه ,غسان سلامة تحدث الى الصحافة عن خطاب منفتح على جميع الليبيين حتى لاتباع النظام السابق لكن هناك إجراءات عدلية دولية من شأنها بالتأكيد ان تأخذ مسارها.’’
-بالاشارة الى هذا ’’الحوار المفتوح’’ هل تعتقد ان ’’ حزب العدالة و التنمية ’’ الذي يمثل جماعة الاخوان المسلمين بقيادة محمد صوان سيترشح للانتخابات؟.
’’ سؤال يجب توجيهه الى محمد صوان لكن أتصور انه يشمل كل من يرغب في المشاركة بطريقة سلمية و بناءة للمسار السياسي ,يمكنهم انجاز ذلك, و من رفض الانضمام الى الحوار بالتأكيد هومن يلجئ الى السلاح و يرغب في تحقيق اهداف سياسية عبر الصراع المسلح.’’
-هلى ترى ان هناك شخصية قوية قادرة في الوقت الحاضر على جمع التأييد الشعبي وتأييد سلطات القبائل؟

’’ أرى انه من الضروري عدم الشخصنة في الحالة الليبية , لا بد من إيجاد التفاهم و المصالحة و القدرة على الحوار مع الاخر.الشخصيات القوية بأتباعها الكثر تجابه مقاومة شرسة في مناطق أخرى من البلاد
لذلك بدل من الشخصنة او محاولة إيجاد حلول للمشاكل الليبية عبر اشخاص معينين من الضروري جعل الحل ينبثق من الاستعداد الحقيقي للتوافق و المصالحة بين الليبيين وعلى الجميع احترام قواعد اللعبة السياسية.
-هل هناك جدل داخل مقر الحكومة بروما حول إعادة فتح مجالنا الجوي الى ليبيا؟ او بالأحرى هل تعتقد ان الروابط الجوية سيتم استعادتها مع طرابلس على المدى القصير؟

اَمل حدوث ذلك و هذه أولية تحظى بدرجة عالية من إهتمام الحكومتين الإيطالية و الليبية و قد طرحت عديد المرات خلال لقاءات القمة الإيطالية الليبية هي مسألة تتطلب استجابات تقنية لاجل عودة الرحلات الجوية المباشرة مع إيطاليا ,الليبيون انفسهم يتطلعون كثيرا الى ذلك,
سيكون حدث ذو رمزية كبيرة لانه سيعني الى حد ما نهاية العزلة التي يعيشها الشعب الليبي منذ وقت طويل’’

-ارجو ان تسمح بسؤال أخير,هل هناك مستجدات حول مصالح رجال الاعمال الايطاليين في ليبيا؟
’’ إيطاليا هي الوحيدة التي عبرت بكل وضوح عبر وزارة خارجيتها انها لا تنتظر ظروف انسجام ابدية أو استقرار دائم لاستعادة علاقاتها الاقتصادية مع ليبيا يعني اننا مستعدون لذلك منذ هذه اللحظة طبعا بطريقة تدريجية مع احترام للظروف الأمنية على الميدان.
إيطاليا تلتزم اكثر من أي بلد اخر بعودة التعاون الاقتصادي مع ليبيا لأننا نعلم ان النمو الاقتصادي يعد عامل أساسي لعودة الاستقرار,نعلم حجم الصعوبات و المعاناة التي يشتكي منها المستثمر الايطالي لذلك نحاول مع السلطات هنا إيجاد حلول نهائية مما سيسمح للعلاقات الاقتصادية و التجارية بين البلدين من الازدهار بشكل جيد’’