في ظل ما تشهده سوريا من تغيرات سياسية كبيرة، تبرز قضايا حقوق الإنسان كأحد أهم المحاور التي تستدعي البحث والنقاش المستمر. ومع تعدد الانتهاكات التي طالت وتطال حقوق الأفراد والمجتمع، خاصة الأقليات منهم، تزداد الحاجة إلى جهود ملموسة لحماية هذه الحقوق وضمان تحقيق العدالة دون أي انتهاك أو اعتداء على حرمة المواطنين مهما كانت خلفيتهم الدينية والعرقية.
في هذا الحوار الخاص، نستضيف الدكتور قتيبة قاسم العرب، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان في سوريا، لإلقاء الضوء على دور المجلس في تعزيز حقوق الإنسان، ومواجهة التحديات الراهنة، وآليات العمل التي تُتبع لتحقيق أهدافه في هذا المجال..
نتطلع من خلال هذا اللقاء إلى تقديم رؤية واضحة وشاملة حول الجهود المبذولة والتحديات التي تواجهها قضايا حقوق الإنسان في سوريا
بعد مباركتنا لكم سقوط نظام الأسد ونيل الشعب السوري لحريته بعد أكثر من نصف قرن من الحكم الفردي في سوريا، كيف تقيمون وضع حقوق الإنسان اليوم وقد رأينا جميعا خاصة بعد سقوط النظام الانتهاكات التي كانت تمارس في السجون وغيرها من البشاعات التي أحزنتنا جميعا؟
شكرا لكم لاستضافتكم الكريمة لهذا الحوار وتسليط الضوء على الأوضاع الحقوقية في سورية بما يؤكد دور الإعلام المستقل في إيطاليا خصوصا وأوروبا عموما ودور الإعلام في حماية حقوق الإنسان ونقل الحقائق في ظل دور الحكومة الإيطالية الحالية ضمن الإتحاد الأوروبي فيما يتعلق بتقييم الوضع في سورية ما بعد سقوط نظام الأسد
الجواب على سؤالكم
طبعا في البداية نحن فرحين جدا بإزاحة هذا النظام الإجرامي والذي قام بجرائم التعذيب والقتل وجرائم ضد الإنسانية في سورية وبالتالي نهاية حقبة من الديكتاتورية والظلم والانتهاكات الجسيمة في حقوق الإنسان، وللأسف اكتشفنا ما كنا نتوقعه بأن غالبية المعتقلين الذين كنا نطالب بإطلاق سراحهم وعددهم تجاوز مئتان وخمسون ألف معتقل قد ماتوا تحت التعذيب ودفنوا بالمقابر الجماعية وهذه مجازر وجرائم تستوجب محاسبة نظام الأسد وأعوانه وكل من تورط بنزيف الدم السوري على كامل الجغرافيا السورية وبالتالي لم يكن وضع حقوق الإنسان جيدا في سورية بل من أسوء دول العالم مما شهدناه من جرائم بشعة وانتهاكات جسيمة.
كيف عشتم شخصيا وكيف عايش المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي ترأسونه حقبة نظام البعث وقد علمنا أنه تم اعتقالكم سنة 2008؟
على الصعيد الشخصي كانت تجربة مريرة جدا مع النظام السابق من حيث التضييق والحصار من جميع جوانب الحياة لوقف وتعطيل دوري بتعزير ثقافة حقوق الإنسان وحمايتها والمطالبة بعدم الاعتقال التعسفي وحرية الرأي والتعبير والاجتماعات والتظاهر، وتلقيت التهديدات المستمرة بالقتل ولكن إيماننا العميق بحقوق الإنسان دفعنا للمزيد من الجهد والعمل والتضحيات وتعرض أيضا زملاؤنا بالمجلس لنفس التضييق والضغط ولكن كان هناك تركيز خاص علي شخصيا كوني من المؤسسين ومسؤول عن البيانات التي تصدر والأفكار وانضمام الناشطين في الجامعات للمجلس مما جعل النظام يشعر بالقلق حيث ادعى بأننا نسعى لتشكيل حزب سري داخل المجلس وهذا ادعاء كاذب غايته الضغط علينا من أجل توقيف نشاط المجلس. وبسبب إصرارنا على مواقفنا تم اعتقالي بتاريخ 20-5-2008من طرف في المخابرات العسكرية في دمشق عن طريق الخطف والإخفاء القسري تحت الأرض في سجن سري بالفرع 248 للأمن العسكري، وبقيت هناك لمدة ثمانية أشهر وستة أيام في سجن انفرادي تحت الأرض متعرضا لأشد أنواع التعذيب ثم حُولت للمحاكمة في محكمة أمن وهناك قامت المحكمة بتحويل قضايا حقوق الإنسان إلى القضاء المدني وتم توقيفي لمدة سنة كاملة أخرى دون محاكمة أو جلسات قضائية ودون إصدار أحكام ولدي وثائقي التي تثبت ذلك الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري في السجون السورية. خرجت بتاريخ 2-1-2010 وجدت نفسي ممنوع من السفر خارج البلد وبالتالي قضيت في السجون مجموع سنة وثمانية أشهر وستة أيام باختفاء قسري ودون محاكمة.
كيف تعملون على توثيق الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها؟
بالنسبة لعملنا لدينا مجموعة من المنسقين والناشطين معنا في المجلس في غالبية المحافظات السورية، تعمل على أرض الواقع بمراقبة ورصد انتهاكات حقوق الإنسان وتوثيقها بالأدلة وبلقاءات الشهود ولو بشكل سري والبحث عن الأدلة من صور وفيديوهات يتم تسليمها لنا ونقوم بالتدقيق فيها بشكل احترافي ومستقل دون أي توجه سياسي فما يهمنا هو الإنسان بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه أو لغته أو رأيه السياسي وحسب مبادئ حقوق الإنسان التي نؤمن بها.
أما بالنسبة للمحاسبة نعمل بطريقتين
الأولى هامة جدا ليس فقط من أجل المحاسبة بل من أجل المصالحة الوطنية بين جميع مكونات الشعب السوري وعدم الانجرار إلى الحرب الأهلية وذلك من خلال مشروعنا الوطني القائم على عدالة انتقالية سورية شاملة دون خلفيات وأجندات سياسية بل تجربة مستقلة تماما عن كل أطراف الصراع.
الثانية مطالبتنا بانضمام سورية لاتفاقية روما ولمحكمة الجنائية الدولية لملاحقة الأسد وأعوانه دوليا.
أما على الصعيد الداخلي فيحتاج الوضع حاليا لاستقرار أمني والقبض على فلول النظام من المتورطين في جرائم بحق الشعب السوري وأن يكون القضاء مستقلا وجاهزا للمحاكمات العادلة في المرحلة الانتقالية القادمة حتى نبدأ بتقديم الشكايات وملاحقة المجرمين الذين تم اعتقالهم. ونقوم حاليا بالتوثيق وتلقي الشكايات تمهيدا لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم وعلى رأسهم نظام الأسد المجرم.
كيف تنظرون للوضع السياسي الجديد في سوريا في ظل هذه الادارة بقيادة أحمد الشرع الذي كان في الماضي القريب إرهابيا في عيون المجتمع الدولي؟
من الناحية القانونية وحسب قرار مجلس الأمن الدولي عام 2014 تم وضع هيئة تحرير الشام على قائمة الإرهاب وهي تدير الإدارة الحالية كسلطة أمر واقع.
وكذلك تم وضع أحمد الشرع بشكل شخصي على قائمة الإرهاب بقرار مجلس الأمن عام 2013
وبالتالي نحن نراقب بتفاؤل حذر وسنحكم من خلال التصرفات ومدى انتهاكات حقوق الإنسان وحماية الأقليات وعدم تكرار الانتهاكات الجسيمة السابقة والاعتقالات التعسفية وكذلك بمدى تقدم العملية السياسية بمشاركة جميع مكونات الشعب السوري وانجاز مؤتمر وطني وحكومة انتقالية واسعة ضمن مبادئ وروح القرار 2254
وحاليا نقوم برصد جميع الانتهاكات التي تقوم بها بعض الفصائل ونوثقها ونتكلم عنها عبر قناة يوتيوب المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشكل مستقل، فدورنا دائما في ظل أي حكومة قادمة هو تعزيز ثقافة حقوق الإنسان وحمايتها.
هل لديكم اتصالات بالإدارة السورية الجديدة وكيف تتجاوب معكم؟
كون هذه الإدارة حاليا غير منتخبة وحكومة تصريف أعمال من لون واحد وهي تتجه بتصرفاتها باتجاه الدولة الدينية ولا تزال العقوبات مفروضة على سورية بسبب عدم رفع هيئة تحرير الشام عن قائمة الإرهاب .
ومع ذلك قمنا كمجلس بإرسال مشروعنا حول العدالة الانتقالية إلى وزير الخارجية السوري كبادرة حسن نية من أجل الشعب السوري وكذلك لاختبار هذه الحكومة ومدى جديتها في العدالة الانتقالية لأننا بصراحة نسمع تصريحات وتطمينات للمجتمع الدولي أما على أرض الواقع لا شيء حتى الآن وطبعا لم نتفلى ردا حول ذلك وننتظر تشكيل حكومة انتقالية واسعة لكي نوسع التعامل معها في حال كانت تؤمن بحقوق الإنسان والدولة المدنية لجميع مكونات الشعب السوري.
ونؤكد أنه لا يمكن فرض الدولة الدينية على مكونات الشعب السوري فكل محافظة في سورية لها تنوع ديني وعرقي وإثني ونسيج إجتماعي يختلف عن الآخر وبالتالي إذا أردنا سورية موحدة لا بد من دولة مدنية تعددية ودستور عصري قائم على حقوق الإنسان يضمن حقوق كل مكونات الشعب السوري بالعدالة الاجتماعية والإنسانية والمحبة والإخاء والتعايش والسلام.
ما هي الخطط الاستراتيجية التي يعتمدها المجلس لتعزيز حقوق الإنسان في سوريا الجديدة؟
نحن نركز بالدرجة الأولى على الاستقرار ومصالحة مكونات الشعب السوري من خلال مشروع العدالة الانتقالية ونحن نرى أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار قبل وقف حالات الثأر والانتقام وعدم الانجرار إلى الحرب الأهلية فهناك حاليا انتهاكات وحالة فوضى وعدم استقرار أمني والوضع يحتاج لوقت وبالتالي لا بد من إصدار قوانين تحمي حقوق الإنسان وكذلك المصادقة على المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان وتعديل القوانيين في سورية.
لدينا رؤية واسعة من خلال محاربة فكر التطرف والإرهاب بطريقة مجتمعية من خلال دور المجتمع المدني والندوات الفكرية وتعديل المناهج ونشر ثقافة التسامح والعيش المشترك مع جميع الديانات السماوية المسيحية واليهودية والإسلامية ولدينا المزيد من الإستراتيجيات لا نكشف عنها الآن حتى نرى ما سيجري على أرض الواقع من خلال تصرفات الادارة الجديدة وتفاؤلنا حذر.
تعرضت الأقليات في سوريا للاضطهاد والتنكيل على يد تنظيم الدولة على عيون النظام البائد ومخابراته واستغل معاناتهم كورقة سياسية في وجه المجتمع الدولي، ما هي الجهود التي تبذلونها لمكافحة التمييز على أساس الدين والطائفة والعرق؟
في البداية نحن ندين الإرهاب بكافة أنواعه وأشكاله وأساليبه وندين ونستنكر الجرائم البشعة التي قام بها ما يسمى تنظيم داعش الإرهابي وما تعرض له أخوتنا من الأقليات في سورية والعراق ولا سيما الإزيديين من قتل واغتصاب وتعذيب، حتى السنة المعتدلين الذين يرفضون التطرف ا تعرضوا لانتهاكات من قبل تنظيم داعش وهم يكفرون الجميع وكل من لا يتفق معهم وبالتالي هم تهديد للإنسانية بشكل عام وبشكل خاض تهديد للأقليات ولا سيما المرأة والطفل.
نحن نسعى بأن يكون منذ البداية الدستور السوري قائم على حقوق الإنسان وضمان الحريات العامة وبأن تكون محمية في الدستور كمواد دستورية تمنع التمييز بكل أشكاله على أساس الدين والعرق ومن ثم الانتقال على تعديل القوانين الجنائية من أجل أن تتضمن مواد تجرم الاعتداء والتمييز على أساس الدين أو العرق وذلك من أجل ردع المجرمين إضافة إلى التوعية الفكرية من خلال الجمعيات والندوات والمناهج الدراسية لرد فكر التمييز على أساس الدين أو العرق .
ما هي رسالتكم للمجتمع الدولي لدعم حقوق الإنسان في سوريا؟
رسالتنا هامة جدا فهي تتقاطع مع غالبية مكونات المجتمع السوري، تبدأ الأمور من خلال دعم مبادئ القرار 2254 باستثناء البند المتعلق بالنطام السابق وهناك اقتراح من أجل اصدار قرار جديد أشد زخما لدعم الشعب السوري بعملية انتقالية سورية وبحكم ذو مصداقية وغير طائفي ومواكبة هذا الانتقال بإشراف الأمم المتحدة ليتمكن الشعب السوري من تحقيق مصيره عبر صندوق الاقتراع.
وبالتالي نؤكد على دعم المجتمع الدولي بمطالبة الإدارة الجديدة أية انتهاكات وعدم القتل خارج القانون والالتزام بالمحاكمات العادلة وبأن تؤمن بحقوق الإنسان والسماح بالانتقال السياسي السلس للسلطة دون تعطيل والسيطرة على تجاوزات الفصائل المسلحة وإبعاد المقاتلين الأجانب عن التدخل بالمجتمع السوري.
حاوره محمد بن عبد الله