أنا مهاجر، أنا لست ضحية

الكاتب: سيباستيان دي بياترو هيدالقو ترجمه إلى العربية: محمد بن عبد الله

في سنة تسعة عشر وألفين ، ليس هناك موضوع أكثر تداولا وسخونة من موضوع الهجرة، يعترضنا كل يوم على صفحات التواصل الاجتماعي، يتصدر عناوين الصحف اليومية ويناقش باستمرار على موجات الراديو وشاشات التلفزيون، الهجرة أصبحت موضوعا ساخنا ومثيرا إلى درجة أتها أصبحت تحرق الناس الذين يتناولونها فيرون حياتهم الخاصة وحتى المهنية تذهب رمادا أمام أعينهم.
تنويه:
السياسة لا تهمني، ولا في أي حال من الأحوال، فالنظام مختل على مستوى العالم، لا أؤمن بالسياسيين ولا يهمني لمن تعطي صوتك ولا حتى موقفك من الهجرة بشكل عام. هذه المقالة هي بمثابة وجهة نظر لمهاجر حقيقي، لا أكثر ولا أقل، لذلك إذا كنت ستشعر بالإهانة لأني سألمس المواضع الحساسة وسأتحدث عن مربط الفرس فلك ذلك، خاصة إن كنت مهاجرا قادما من فينزويلا.
الإطار العام:
وُلدت في فينزويلا من أم فينزويلية وأب إيطالي.
انتقلنا إلى إيطاليا سنة 2005 بعد أن قرر هوجو شافيز أن الديمقراطية لا تعنيه وانتهك سرية التصويت وأدان كل الذين صوتوا ضده ومن بينهم والدي.
الحياة لا يمكن التنبؤ بها:
عاش والداي في إيطاليا في فترة التسعينات لكن لم تكن لديهما نية الإقامة فيها إلى حدود سنة أربع وألفين على الأقل حين طردتهما الحكومة من العمل مما أجبر أبي على تركنا والانتقال إلى شمال إيطاليا للبحث عن مستقبل أفضل لي ولوالدتي قبل أن نلتحق به في جانفي من سنة خمس وألفين وأنا في العاشرة من عمري.
عن صعوبة المغادرة:
لو كنت تتصور أن الانتقال من مدينة إلى أخرى أمرا صعبا فلك أن تتخيل صعوبة الانتقال إلى بلد اخر، أن تفارق وطنك وأهلك وأصدقائك، أن تبتعد عن ثقافتك وعاداتك وتقاليدك، أما إذا كنت راشدا كما كانت أمي حينها فالأمر أيضا صعب لكنه حتمي.
لم يكن الأمر بمثابة نزهة للأطفال لكنه أسهل بكثير على أي حال، فقد كنت مع والدتي وكان والدي بانتظارنا، أما الأقارب فيمكن زيارتهم والأصدقاء من الممكن رؤيتهم، فالحياة بسيطة حين كنا صغارا.
دروس الجغرافيا لم تكن ضمن البرنامج الدراسي في فينزويلا، لم يكن لدي أدنى فكرة عن موقع إيطاليا، لم أكن أعرف ولو كلمة واحدة باللغة الإيطالية، حتى كلمة تشاو كانت غريبة بالنسبة لي، ففي بلدي كنا نقولها بعد نهاية كل لقاء أما الإيطاليون فيقولونها عند بداية اللقاء للترحيب بأنفسهم.
الولادة من جديد:
الانتقال إلى بلد اخر هو بمثابة المولد الجديد، فالقلاع التي كنت أشاهدها على شاشة التلفزيون أصبحت حقيقية، للأطفال حس للدعابة والفكاهة لم أكن أفهمه، الناس يتكلمون لغة لم أكن أفهمها، شعرت بالبرد الجليدي في فصل الشتاء الأول، الناس يلبسون بطريقة مختلفة وللبيتزا مذاق آخر، رأيت الثلوج لأول مرة، الدراسة لم تكن صعبة، فلا شيء يبدو صعبا حين نكون صغارا، كل شيء عبارة عن تحد نخوض غماره دون حتى التفكير فيه، وجدت نفسي مجبرا على تعلم اللغة الإيطالية تزامنا مع حضور درس اللغة الألمانية والإنجليزية، لغات لم أكن أعرفها من قبل، حتى أمي كانت تعينني على إنجاز واجباتي المدرسية مستعينة بالأنترنت لأنها كانت مثلي لا تفقه شيئا من اللغة الإيطالية أما أبي فكان دائما مشغولا بالعمل ليحسن مستوانا المعيشي إلى الأفضل.
نعمة خفية:
لو نظرت إلى الوراء، أعتقد أن كل ما وصلت إليه الآن يستحق كل ذلك العناء، وإذا عاد الزمن إلى الوراء لقرر أبواي الهجرة مرة أخرى.
الهجرة جعلت حياتي أفضل وأنقذتني من الواقع المروع الذي يعيشه أبناء بلدي الآن، بل جعلتني في موقع يسمح لي بمساعدتهم وتبليغ أصواتهم ولو بنشر اخبارهم والكتابة عنهم، والان وبعد أربع عشرة سنة من الانتقال إلى بلد وفر لي فرص عديدة ومكنني من تحقيق أحلام وأهداف مختلفة، ها أنا أنوي الانتقال إلى بلد آخر للمضي قدما في تحقيق أحلامي.
إن العيش في بلد آخر لم يقيدني، بل حررني.
دور الضحية:
حتى الآن التقيت بعدد كبير من مهاجرين قادمين من مختلف أنحاء العالم، حتى أني ساعدت الكثير من الذين جاِؤوا من بلدي، لكن وللأسف، وجدت صعوبة في التأقلم والتواصل معهم حتى أن العلاقة انقطعت معهم وكان ذلك لسبب واحد، ألا وهو العقلية.
العديد من المهاجرين من أبناء بلدي ومن البلدان الأخرى من الذين التقيتهم وتحدثت معهم ليسوا بصدد القيام بأي تحرك أو بأي جهد باستثناء الجمود والتذمر ولعب دور الضحية منتظرين الرأفة والشفقة من الآخرين، ينتظرون من الآخرين أن يشعروا بآلامهم ومحنهم، وإذا بقوا على هذا الحال سينتهي بهم الأمر إلى تدمير مستقبلهم وإضاعة الفرص العديدة المتوفرة أمامهم، لأنهم منغلقون على أنفسهم ومنعزلون على المجتمع الذي استضافهم.
عزيزي المهاجر، توقف عن التفكير بالطريقة التي كنت تفكر بها في بلدك، تذكر أنك أنت الذي اختار أن يهاجر، تخيل كم سيكون الأمر صعبا لو أنك بقيت في بلدك.
إذا كنت تعتقد أن العيش في مدينة أخرى أمر صعب فتخيل كم هو أصعب وسيء ألا تعيش تجارب أخرى، أن لا تواكب ثقافات أخرى، تخيل كم هو سيء أن تختار السباحة في بركة محدودة من المياه بينما تضيع البحر الواسع الذي أمامك.
لا أنكر أن الهجرة صعبة، لكنها صعبة بالمعنى الإيجابي للكلمة، لأنك ستنفتح على أفكار وثقافات جديدة، ستتعلم أشياء وتتاح أمامك فرص لم تكن لتتمتع بها أبدا لو بقيت في بلدك.
المهاجر المندمج كليا في المجتمع الذي هاجر إليه هو إنسان استثنائي له هويتين مختلفتين لكن في الوقت ذاته لا يملك أيا منهما لأنه ببساطة تمكن من تجاوز عدة مفاهيم مثل الحدود والايديولوجيا والعرق ولون البشرة، إنه فقط إنسان، لكنه إنسان عميق ومتنوع.
صديقي المهاجر، إياك أن تلعب دور الضحية واحتضن الفرص التي سيوفرها لك عالمك الجديد واحترم قوانين البلد الذي تعيش فيه، تواصل مع الناس وتقبل ثقافتهم دون أن تتنكر لجذورك، فقط لا تجعلها ذريعة لرفض نمط حياة الآخرين.
وإن كنت غير مهاجر فلا تتعامل مع المهاجرين كأنهم ضحايا أو أعداء، إنهم مثلك تماما، موكلون بالبحث عن الطاقات المخفية داخلهم.