لماذا حفتر لا يريد السفير “بيروني” ولماذا الديبلوماسي على حق

بالنسبة للسفير الإيطالي “بيروني”، لا يمكن إجراء الانتخابات في ليبيا إلا بعد تحقيق المصالحة الوطنية.
هذا ما أكده الديبلوماسي الإيطالي في مقابلة مع القناة الليبية، حيث أثارت تصريحاته انتقادات ومظاهرات جابت الشوارع وصلت لحرق الأعلام الإيطالية.
كما أكد السفير أن تعيين تاريخ الانتخابات له أهمية كبيرة بالنسبة لليبيين.
لولا مسألة تاريخ الانتخابات التي أطلقت موجة من الاحتجاجات ضد السفير الايطالي والتي تحولت منذ وقت قريب إلى احتجاجات ضد إيطاليا بتعلة التدخل المزعوم في الوضع السياسي الليبي الكارثي، إلى درجة أن رجل “طبرق” الأول، الجنرال خليفة حفتر، زاد التين بلة وقدم شكوى لمجلس نواب طبرق وأكد عبر المرصد عن اعتباره أن “السفير الايطالي لم يعد مرغوبا فيه من غالبية الليبيين وأن سياسة إيطاليا تجاه ليبيا تحتاج إلى إصلاحات وتغييرات جذرية تكون مبنية على أساس الصداقة والاحترام الكامل والمتبادل بين البلدين”.
في الحقيقة “بيروني” على حق، ربما أخطأ جراء حماسته، ربما لم يحسب آثار تصريحاته، لكن كلامه واضح وصريح.
يجب الكف من الاعتقاد أن ليبيا فقط مجرد بلد موجود على الخريطة، لأنها لا تزال في الواقع عبارة عن فسيفساء من القبائل المسلحة التي تقتل بعضها البعض حيث تنقسم إلى مجموعتين كبيرتين كل مجموعة تدعي الحق وحق السيطرة على كل شيء، من جهة حكومة وبرلمان “طرابلس” المعترف بها من قبل المجتمع الدولي والتي أنشئت لتحقيق الاستقرار وضمان التعايش بين مختلف القبائل والفصائل الليبية، ومن جهة أخرى برلمان وحكومة طبرق المنبثقة عن انتخابات جوان 2014 ( كان البرلمان هرب إليها حين كانت العاصمة بين أيدي الميليشيات) ليصبح مسيرا من الجنرال خليفة حفتر.
لكي نفهم من المستفيد من هذه البلبلة المناهضة لإيطاليا وهي عبارة عن فرصة ذهبية قدمها “بيروني” دون قصد، علينا أن نعود بخطوتين إلى الوراء:
يجب أن نتذكر أن فرنسا عبدت الطريق لإيطاليا في ليبيا من أجل السيطرة على جزء من الأراضي، المقصود تلك المناطق المؤثرة و التي من ورائها منفعة اقتصادية (غاز، بترول).
التبرير الأخلاقي لفرنسا يعود بنا إلى ما حدث سنة 1987، عندما تم خلع الرئيس التونسي “الحبيب بورقيبة” من خلال إنقلاب صغير عرف ب “المعاطف البيضاء”، بسبب العجز الصحي للرئيس، ومن مكانه، أساءت الأجهزة الإيطالية استخدام “بن علي” حسب ما أكده “فولفيو مارتيي” سنة 1999: كان الهدف انتزاع منطقة النفوذ من فرنسا، واليوم يهدف الفرنسيون إلى أخذ حصتهم من ليبيا وترك طرابلس لإيطاليا حيث تتركز مصالح روما.
ويكمن الدليل في قصف فرنسا لليبيا لاول مرة يوم 19 مارس2011 جاعلة رئيس الوزراء “سلفيو برلسكوني”حينها في حالة من الرهبة، وفي شهر جويلية 2017، وضعت فرنسا نفسها داخل الوساطة الإيطالية الطويلة والرشاقة وجنت ثمارها، حيث جلس كل من رئيس حكومة الوفاق الوطني “فائز السراج” والجنرال خليفة حفتر” على طاولة واحدة.
باختصار شديد، لقد دعمت إيطاليا “طرابلس” في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار، بينما دعمت فرنسا “طبرق” لضمان مساحة لها في هذا البلد الشمال إفريقي.
كما نلاحظ أن الهجمات التي استهدفت “بيروني” كان مأتاها ذلك الجزء من ليبيا الذي لا يحضى باعتراف دولي ما عدى فرنسا ولكن بدعم غير علني .
من ناحية أخرى، لم تكن لدى حفتر بعض الضغائن من إيطاليا، أولا لأنه أقصي من اللعبة ( بما أنه أراد وزارة الدفاع لنفسه)؛ فقد طالبت المليشيات الإسلامية ومختلف القبائل في الشرق باستبعاد الجنرال الليبي من تكوين حكومة موحدة: كما أنه متهم بشكل خاطئ أو صحيح بأنه كان يتلقى أجرا من واشنطن، حيث ألقي عليه القبض من الجيش التشادي سنة 1987 أثناء “حرب تويوتا”، ثم اقتادته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى واشنطن حيث مكث هناك حتى عاود الظهور سنة 2011 في ميدان بنغازي وهو يقود الانتفاضة التي أدت لسقوط نظام معمر القذافي.
مع شعوره بالاقصاء، لم يكتف حفتر بالموافقة على مبادرة المجتمع الدولي التي تهدف لبناء حكومة وطنية، بل تحرك ببراعة، أولا وقبل كل شيء قام بكسر حظر الأسلحة، وتلقاها من المحور المصري الاماراتي، ثم ذهب إلى روسيا وطلب الدعم العسكري،لم يكن من الملائم أن تخلق موسكو مزيدا من العداوة مع أوروبا، (فهي تفكر في الغاز والعقوبات المفروضة عليها في قضية “سكيبرال”) أو أن تدخل في مواجهة جديدة مع الولايات المتحدة، إلا أن حفتر وعد بمنح قاعدة عسكرية للروس مقابل دعمهم له.
كما أعلن اليوم أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي (جيش طبرق) الذي يشرف عليه المشير خليفة حفتر، عن طلب آخر من روسيا يتمثل في تحرك الأخيرة داخل مجلس الأمن والعمل على إزالة قرار حظر الأسلحة وكذلك عن دعمهم لتاريخ 10 ديسمبر ( الذي حدد في باريس) كتاريخ للانتخابات البرلمانية.
باختصار فإن “بيروني” هو الاقدر على مساعدة حفتر على إزالة الغبار على النطاق الدولي، إلا أن أولئك الديبلوماسيين الذي يتهمون إيطاليا بالتدخل في شؤون ليبيا، مازالوا يتنقلون بين روسيا وباريس طالبين حماية موعد الانتخابات من خلال الامم المتحدة في تناقض صريح.
السفير الايطالي تقنيا على حق، فمن الجيد في بلد تعمه الفوضى مثل ليبيا العمل على تحقيق الوحدة للوصول إلى انتخابات جديرة بهذا الاسم.