غازي الدالي
ما يحدث في بورما هذه الايام لايمكن للكلمات أن تصفه و لايمكن للعقول أن تتخيله لفظاعته ووحشيته .قرى بأكملها تحرق بسكانها و منازلها و مذابح جماعية رهيبة للبشر و نساء تغتصب و تنتهك الحرمات و تتم المطاردات للفارين داخل الغابات . إزدحام على الشواطئ على أمل النجاة و الفرار بالأرواح على متن قوارب الموت نحو القريبة بنغلاديش .هكذا هو حال المسلمين أو ربما أسوأ في هذه الفترة حسب ما يصلنا من معلومات شحيحة و صور ومقاطع فيديو فظيعة لمئات القتلى و الجرحى الأبرياء و البسطاء كل ذنبهم أنهم اعتنقو ديانة معينة على أرضهم . أما المجرم فهي عصابات ”ماغ” البوذية المدعومة من قبل النظام الحاكم هناك في حرب الابادة و التطهير العرقي المفزع داخل إقليم ”الاراكان” ذو الاغلبية المسلمة حيث تقوم بمهاجمة القرى و تروع الامنين و ترتكب مجازر و تجبر الالاف على الفرار و بعدها تقوم ببناء المستوطنات . إنتهاك صارخ و فاضح لكل المواثيق و العهود الدولية و حتى ميثاق الامم المتحذة و كلها تتفق على مناهضة العنصرية و تجريم التفرقة على أساس عرقي و هو ما سعى مركز سواسية لحقوق الانسان الى التذكير به في بيانه الصادر و المستنكر لجرائم عصابات البوذيين في بورما و موجها نداءه الى العالم أجمع لحماية حقوق الانسان التي تنتهك هذه الايام .
أما بخصوص أعداد القتلى و النازحين المسلمين من الإقليم الذي يتعرض الى الهجوم فحسب حصيلة أولية قدمها نشطاء حقوقيون من بورما الى موقع العربية نات فقد و صل عدد القتلى الى 250شخص و قرابة 500جريح في حين لايعرف الى حد الان مصير 300مفقود , كما أن أعداد النازحين فاقت عشرات الالاف أغلبهم فروا الى بنغلاديش .هذه الاخيرة الى جانب دول الجوار ماليزيا و أندونيسيا لاشك انها شاهدة على تاريخ دموي لصراع إثبات الوجود بالنسبة للمسلمين في بورما و تعرضهم المستمر الى المذابح و المجازر التي انطلقت منذ الثلاثينات مع تواجد الاستعمار الفرنسي حين كانت ترتكب أمام انظاره و تواصلت طيلة العقود الاحقة مع حملات تهجير كبيرة بلغ أقصاها نصف مليون مسلم وقع تهجيرهم من قبل النظام في أواخر السبعينات في ظروف قاسية إنتهكت فيها أبسط حقوق الإنسان و اليوم يبدو ان التاريخ يعيد نفسه لتعود المجموعات البوذية لاستكمال ما بدأه الاجداد و تنفذ مذابح ممنهجة بتواطئ حكومي وتجاهل دولي و صمت حقوقي و تخاذل اسلامي و لكن من الخطأ إدراج هذه القضية كشأن يخص المسلمين وحدهم بل هي قضية الإنسان مهما كانت ديانته و مهما كان عرقه و وحده الانسان القادر على ان يجعل كل المواثيق و المعاهدات الدولية فاعلة و ليست كما عودتنا مجرد حبر على ورق.