مجزرة غزة 2008

 

قبل المجزرة بخمسين يوما, أغلقت المعابر بشكل كامل وهيأت الدولة العبرية نفسها لشن أبشع الحروب وأكثرها جرما على قطاع غزة.ففي ظهيرة 27/12/2008 على الساعة 11:30 صباحا قصف القطاع ووقع 230 شهيدا وأكثر من 550 جريحا في اليوم الأول, واستمرت المجاز أكثر من 22 يوم برا وبحرا وجوا.من العادي أن يقصف المدنيون وأن تدمر البيوت على ساكنيها الآمنين, من الطبيعي أن تدمر البنية التحتية وتستهدف المؤسسات الصحية و التعليمية, فعلى مدار ستة عقود من الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية عاش الشعب الفلسطيني أسوء ظروف الحياة, حتى الحيوان لم يسلم من طبيعة الكيان الصهيوني الإجرامية.خلفت حرب 2008 أبشع مظاهر البؤس والدمار, ففي تلك الأيام عاش سكان القطاع ساعات عسيرة, فهناك من فقد جميع أبنائه, وهناك من فقد كل أفراد عائلته في غارة واحدة وهناك من بترت أعضائه, والكل ينتظر طائرات أف 16 بالدعاء والتكبير والشهادة.خلال السنوات الأخيرة أطلق سكان القطاع على مدينتهم “السجن الكبير”, فمن الشمال تجد خط التماس الذي يجب عليك الوقوف قبله ب300 مترا, فإذا حاولت العبور فسيقتلك الجنود عبر أجهزتهم على بعد كيلومترات, أما من الجنوب فستجد معبر “رفح” الذي لا يمر منه أكثر من 400 شخص يوما منذ الثورة المصرية في العام الماضي, وإن نظرت إلى البحر فستجد عدة بوارج حربية تراقب القطاع بكل الأجهزة المتطورة و تهدد كل الصيادين إذا تجاوزوا ثلاثة أميال فعليهم أن يوقعوا في شباكهم كل الأسماك السامة من بحرهم الذي يتغذى بالمصبات.يعاني هذا السجن الكبير من كثافة تعتبر الأكبر في كوكب الأرض, فأين حقوق السجناء؟وأين المجتمع الدولي في تطبيق حقوق السجين؟ وأين الأمم المتحدة في كل هذه المأساة ؟في هذا السجن يحبس قرابة مليوني سجين, منهم مسنون وحوامل ورضع وأطفال ومرضى يموتون على باب المعابر قبل وصولهم لمصر أو للدولة العبرية للعلاج.علمتني دولتي أن لدي حقوقا كثيرة, منها الحق في العلاج والحق في التنقل, ففي قطاع غزة تعتبر هذه الحقوق مستحيلة حتى وإن توفرت لديك السبل والأموال لتنفق على علاجك أو سفرك, فتخيل ولو للحظة أنك تجول في بيتك طوال سنين ولا تستطيع مغادرته, فإن فعلت ذلك فستتمنى الموت لعل ذلك يكون رحمة لنفسك المعذبة.لدي صديق عزيز يعمل في الإسعاف والطوارئ في مدينة “جباليا”, أخبرني انه وزملائه يسهرون الليالي على إيقاع القذائف والطائرات بدون طيار, فعند زيارتنا إلي مركز الإسعاف والطوارئ كنا متهيئين لضربات العدو تاركين سيارات الإسعاف قرب الباب الرئيسي, مرتدين زي العمل كأن خبر الفاجعة وصلنا وكأن رائحة الدم فاحت.”كل الناس لديها وطن تعيش فيه إلا نحن لدينا وطن يعيش فينا”, هذه هي جملة الفلسطينيين المميزة والتي خلقت لديهم وطنا أحبوه وعشقوه واستشهدوا لأجله ولكن قدر الله فرض عليهم احتلالا غاصبا, هذا الاحتلال الذي يمثل قيم الدول المتواطئة معه في الشرق. فاليوم أزيح هذا القناع عن الوجه الحقيقي لهذا العدو العنصري الفاشي الذي ينتعش حين يمتص دماء الفلسطينيين.
من الواجب أن تحب وتحترم كل تراب الوطن وتعمل من أجله ليلا نهارا, ولكن من المحزن أن تولد و تنشأ في وطنك ويأتي محتل ليسرق منك خيراتك ويصدرها باسمه, وأن يمارس عليك أشد أنواع التعذيب المادية والمعنوية وأن يهجرك من أراضيك ويبني فوقها مستوطناته.
من غير المقبول أن تصبح لاجئا في الشتات, أن تسلب منك حقوقك و أن تقتلع منك أمالك و أحلام أجيال وطنك. من المأساوي أن تفتك منك أرضك وتجرف أشجارك التي تعبت وأنت تنتظر محصولها في الفصول القادمة. كل إنسان منا لدية حلم وهو أن تتحقق العدالة والمساواة في كل أرجاء المعمورة وحلمي أنا هو العودة, عودة كل فلسطيني إلى بيته و أرضه و مدنيته, حلمي أن يتوقف العرب على رفع الشعارات للتستر على أكاذيبهم وأن يعيش كل البشر على حلم الإنسانية والأخوة وان نتذكر جميعا أن الكبار تموت ولكن الصغار لا تنسى, فبكل سبل الدفاع عن حقوقنا لن ننسى, سنموت ولكن سنربي صغارنا على ذلك الحلم, حلمي وحلم كل مِؤمن بحقوق البشر.

 

انتظروني في كتابات أخرى
صبرين العريبي
ابنة فلسطين