أزلام الإعلام يتحدثون

فوزي بن يونس بن حديد

تتسابق القنوات الفضائية العربية على بثّ كل جديد ولكن على طريقتها الخاصة، فهي لا تنتقي من الأخبار ومن الذين يتحدثون سوى أولئك المعارضين لكل شيء، وهنا يحلو لها أن تتصل بهم وتبث الشكوك والظنون، وهذا يسمى إفسادا في الأرض بغير حق.
عندما قامت الثورة التونسية، اتجهت هذه القنوات لتونس، وكُلٌّ يعمل على شاكلته، وكل قناة تبحث عن الجديد والمثير وتتسابق نحو الإثم والعدوان ولا تتعاون على بث روح الوحدة بين التونسيين الأحرار الذين جابوا الشوارع طولا وعرضا لطرد بن علي وأزلامه، حتى صار الشباب هم الأبطال الذين حققوا التحول الحقيقي في تونس يوم 14 يناير 2011، وبعدها بدأت الحسابات تدور في فلك القنوات، وبدأت الخيوط تتشابك، فاحتار هؤلاء الشباب أيَّ الخيوط يتبعون، لأنه يتابع ما يجري في تونس من خلال القنوات التي تأتي بالأفكار من هنا وهناك وتسمح للأزلام من الشعب التونسي أن يتكلم أو يتحدث، فدخلت تونس في عراك سياسي وشعبي وأمني من نوع آخر لا يحبذه التونسيون أنفسهم، وأصبح الناس يتكلمون بعد أن أغلق أفواههم بن علي طوال ثلاث وعشرين سنة بالتمام والكمال.
ورغم أن الثورة التونسية كانت عفوية، إلا أن الثورات التي تلتها لم تكن كذلك، فثار الشعب المصري بعدها تقليدا للشعب التونسي الذي صمد في وجه الآلة العسكرية العابدية، واستطاع أن يخترق جدار الأمن المعقد، فحقق مبتغاه، وأما الثورة المصرية فكانت بالأساس نتيجة حتمية للانتصار الساحق والباهر الذي حققه الشباب التونسيون، وهي وإن أزالت مبارك فإنها ما زالت تعاني من تبعيات النظام السابق الذي لا يعترف بالهزيمة النكراء، ورغم ذلك ما زالت قناة الجزيرة وغيرها من القنوات تنبش في قبور النظام السابق وتحاول إحياء الماضي لتبقى مصر على الدوام وهي الدولة ذات الصيت العالي في المجتمع العربي، تبقى مضطربة من الداخل لئلا تفكر في الخارج، وماذا فعل مرسي؟ وماذا قدم للشعب المصري؟ وهل استطاع فعلا أن يجلب للمصريين العزة والكرامة؟
هذه القناة لا تزال تحرّك الماء الراكد فتنشر أوساخها على الملأ، وتصطاد أزلام كل دولة وتستمع إلى خرافاتهم وما يزعمون، فما حقيقة المرصد السوري الذي يأتينا بالأخبار الكاذبة من هنا وهناك في سوريا الحبيبة، أرقام غريبة وعجيبة ينشرها في القنوات على السواء، وهي تستقبل ذلك بالأحضان لتنشر الخبر وكأنه خبر من السماء لا يجوز تحريفه ولا تكذيبه، لتزداد البلاد اضطرابا ويخاف الناس ويهرعون، وأين الحقيقة من كلام المعارضة التي تعيش في باريس ولندن وتركيا؟ من قال إنها لا تزيف الأخبار وأنها تريد الكراسي كما كان الآخرون يحلمون، ومن قال إنها لا تموّل القاعدة في سوريا لتخريب البلاد ونسبته للنظام السوري على أساس أنه المجرم الحقيقي في الحرب على المواطنين الآمنين.
أزلام الإعلام يتحدثون، فيثيرون المستمعين، فتنطلق الدعوات من هنا وهناك لإسقاط النظام وما البديل يا ترى؟ عصابات من هنا وهناك هي التي ستحكم البلاد أم أننا نتركها للذئاب تتقاسمها كما يحدث الآن في ليبيا، وبعد الأحداث الأخيرة على السفارة الأمريكية وقتل السفير الأمريكي في طرابلس أصبحت أمريكا وأوروبا في حيرة من أمرهم أيساندون الديمقراطية الجديدة أم أنهم يتفرجون؟ فآثرت الخيار الثاني وتركت الأمور تسير نحو المجهول، القاعدة ترتع في البلاد العربية طولا وعرضا تقتل العباد بالسيوف والخناجر والساطور فهل هذه هي الديمقراطية؟ إنها ديمقراطية جوفاء وحكم البُلَهاء، لا يهنأ الشعب أبدا بل سيعيش في حرب وخوف إلى أن يأذن الله.
فلتعلم هذه القنوات أن ما تفعله هو عين الحرابة وأصحابها قطاع طريق ينشرون الخوف والرعب في قلوب العباد وخاصة النساء والأطفال، عليها أن تنهج المصداقية في عملها والمهنية في منهجها والتحري والتثبت والتبين في أخبارها وإلا فلتذهب لمزبلة التاريخ للأبد.