أمريكا تمارس الإرهاب الخفيّ

فوزي بن يونس بن حديد

ليس غريبا فعلا على الولايات المتحدة الأمريكية في عهد أوباما أن تمارس سياسة الازدواجية في التعامل مع القضايا العالمية، وبدا  ذلك واضحا من خلال تعاملها مع الملف السوري اليوم، تبحث عن مصالحها وتضرب بعرض الحائط بكل القيم والمبادئ العالمية وحقوق الإنسان، فبينما تحارب الإرهاب على أرضها بكل ضراوة وبدا ذلك جليا في تفجيرات بوسطن حيث أقدمت بكل قوة على ملاحقة من كان سببا في التفجير وقتلت أحدهما فيما لاحقت الآخر الذي يبدو أنه قد قتل أيضا ولفظ أنفاسه الأخيرة، نجدها تتعامل مع الملف السوري بازدواجية غريبة لا نفقه أحيانا ماذا تريد من مواقفها؟
فمرة تعلن أنها توافق على الحل السياسي محاولة بذلك إرضاء روسيا والصين وربما حتى استرضاء إيران، وعملت على هذا الملف من خلال اللقاء التاريخي الذي حصل بين لافروف وكيري ومن خلال المؤتمر جنيف 2 المزمع عقده في بداية يونيو، ومرة أخرى تقول إن كل الحلول ممكنة ومطروحة على الطاولة وتلوّح اليوم بإقامة منطقة حظر جوي كما فعلت من قبل مع العراق.
هذه الازدواجية في التعامل قد تخلق مشكلات لوجيستية وتوجد تعاملا ابستمولوجيا، وينبئ بأن أمريكا تعيش اليوم اضطرابا شديدا في المواقف وخلخلة في الفكر السياسي ومذبذبة في موقفها تجاه سوريا البلد الذي يتعرض اليوم إلى مؤامرة واضحة من القوى الإقليمية والعالمية لتغيير النظام وإحلال قوى مجهولة تعبث بالبلاد والمكتسبات وقد تأتي بنتيجة عكسية كما حدث في ليبيا الجريحة وما هي ببعيدة.
اليوم الولايات المتحدة الأمريكية في مأزق كبير جدا، فهي من جهة تحارب الإرهاب في عقر دارها وتحتضنه في سوريا وتتقابل معه وإلا بم نفسر لقاء جون مكين بمن يسمون أنفسهم مقاتلين، لا نفسر إلا بلقاء الطرفيْن المتطرفيْن، فجون مكين معروف بمواقفه المتطرفة وهو امتداد لجورج بوش الذي أفسد العالم بأطروحاته الروحية كما يزعم وحارب الاسلامافوبيا كما يدعي ها هو جون مكين فرح مسرور بلقاء الإرهابيين الذين أقحمتهم أمريكا ضمن لائحة الإرهاب من جهة، وكان غريبا من جهة أخرى في لقاء قناة الجزيرة في برنامج الاتجاه المعاكس الذي أصبح حقيقة الاتجاه المشاكس عندما يسأل فيصل القاسم ضيفه وعلى الهواء مباشرة سؤالا غبيا نوعا ما حين قال إن حزب الله حينما يقاتل إلى جانب النظام السوري فإنه يقتل الشعب السوري، وبالتالي جعل المعارضين وكأنهم ملائكة لا يقتلون ولا يقاتلون فهذه الصواريخ التي يقذفونها من فوهات المدافع وبعض الدبابات وهذه الرصاصات التي تخرج من الرشاشات والبنادق إلى أين تطير يا ترى؟ هل لا تمس الشعب السوري في شيء؟ ومن قال إنها لا تقتل ولا تجرح الأبرياء، ثم بماذا يفسر لقاء جون مكين بهؤلاء هل كانت فعلا أمريكا تدعم الإرهاب وهي الدولة الكبرى التي تحاربه؟ أم أنها تريد كسب ودّ المقاتلين حتى لا يعبثوا فيما لو سقط النظام لا قدر الله وتدرأ عنها عذاب الانفجارات في السفارات كما حدث في تونس وليبيا؟
كل هذه التساؤلات تضعنا جميعا حقيقة أمام مفترق طرق وحقيقة كبرى قد تكون جلية عند البعض وقد تكون خفية، ألم تعتبري يا معارضة من معارضة العراق لنظام صدام حسين حين جيء بها للعراق وبعد حين كانت سببا في هلاك البلاد وربما راود من كان صديقا بالأمس أن يتهم هذه المعارضة ويكيل عليها بأنواع الاتهامات كما فعلوا مع أحمد الجلبي في العراق ومصطفى عبد الجليل في ليبيا فأين هما الآن؟
إن أمريكا لا تحابي أحدا من العرب ولا من غير العرب، فتدير وجهها عمن فقدت مصلحتها معها، ولا تصنع إلا ما يخدم مصلحتها حتى لو كان فيه دمار لتلك البلاد فلا يهمها، فانظر للعراق وتاريخه فقد دُمّر ومسح من الخريطة منذ اليوم الأول من الغزو وكذا الأمر في سوريا اليوم لا قدر الله ربما يحدث بها أشنع مما حدث في العراق، بعد أن كان يشعّ فيها الأمن والأمان، فإلى أين يصير البلد؟ ومتى يتوقف النزيف والدمار؟