أنباء عن هروب الأسد

فوزي بن يونس بن حديد

أوقعت فرنسا نفسها في المستنقع المالي، ووجهت كل أنفاسها نحو هذا البلد الماسي بدعوى طرد المسلحين من شمال مالي ولكنها في الحقيقة هي خائفة على مصالحها في هذا البلد الإفريقي الذي يعاني أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية قاسية، وتعاملت وتتعامل مع ملف المسلحين بازدواجية غريبة ففي حين تدعمهم في سوريا تحاربهم في مالي، وأصبحت مدينة كيدال تورار بورا دولة مالي فما أشبه الليلة بالبارحة، فعندما دخلت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان سنة 2001 وألقت قنابلها الثقيلة ذات الأطنان من المتفجرات فقتلت الأبرياء بالآلاف وفر تنظيم القاعدة إلى جبال تورا بورا وعلى الحدود مع باكستان ظنت أمريكا أنها انتصرت وكانت عينها على نفط أفغانستان وأعلنت أنها قد قضت على جزء كبير من المسلحين ولم يعد لهم وجود ونسيت أن فرار القاعدة من العاصمة كان تكتيكا حربيا لا مفر منه لحماية نفسها من الضربات الجوية، ثم ما لبثت أن عادت إلى الوسط معلنة الحرب ضد أعدائها الأمريكيين في مسلسل كبدتهم خسائر فادحة من المعدات والبشر بل وجعلتهم يخرجون خائبين وسيفعلون ذلك مع نهاية العام 2014.
كيدال اليوم تشبه تورا بورا الأمس وقد ساندت بريطانيا فرنسا في هذه الحرب التي يرى كل منهما أنها ضرورية لإنقاذ المصالح، أما أمريكا فهي مثقلة بالمشاكل الخارجية والداخلية، فهي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة وقد تفلس وتنهار في أي لحظة لأنها اقتصادها بني على شفا جرف هار، إضافة إلى أنها تلقت صفعة قوية ممن يسمون أنفسهم ثوارا في ليبيا وفي تونس ولذلك فقد أحجمت عن دعم المسلحين في سوريا بالسلاح رغم إلحاح كلينتون وباتريوس صاحب الفضيحة الجنسية وبانيت الذي فقد وظيفته.
وأمام هذا الضعف العالمي، ظهر الرئيس بشار الأسد في موقف قوة، لأن المعارضة في الخارج لم تستطع أن تلم شعثها وتوحد كلمتها وازدادت ضعفا بعد أن طالب بعض أعضائها باستقالة معاذ الخطيب رئيسها، وبعد التهكمات والسباب والشتائم التي توالت على النظام السوري إبان حدة المعارك بدت المعارضة اليوم في وضع مؤسف تلتفت يمينا فلا تجد أحدا وتلتفت يسارا فلا ترى إلا وجوها باهتة قد أصبها الذهول والوهن.
 وأمام هذا السيناريو أضحت المعارضة مجبرة على قبول الحوار مع النظام بعد أن كانت رافضة له من الأساس، لأن حلفاءها بدأوا يتخلون عنها الواحد تلو الآخر وتركوها في بحر لجّيّ من الظلمات بعضها فوق بعض، وأصبحنا نعيش سيناريو جديدا مختلفا عن السابق خاصة بعد أن أفلست الأختان العربية والجزيرة في التلويح بانهيار نظام الأسد في كل نشرة إخبارية.
ويبدو لي أن الجزيرة والعربية ليس لديهما جديد من الأخبار يمكن أن يثير المشاهد إلا الإعلان عن أنباء عن هروب الرئيس بشار الأسد، تحاولان لفت انتباه المشاهد بعد أن ملّ من سماع أخبار كاذبة ومزيفة كل يوم بل في كل نشرة إخبارية، وربما تلجأ إحداهما أو كليهما إلى أكثر من ذلك كأن تعلن أن الثوار قد انتصروا في حربهم ضد النظام السوري ويعلنون بدعم تركي أنهم أنشأوا منطقة عازلة يتيح للسوريين أن يقيموا عليها دويلة تعترف بها الدول الكبرى وهي لا شك مسرحية يمكن أن تختلقها إحدى القناتين لأن كليهما قد فقد المصداقية والمهنية وأصبح من يعمل فيهما ينشر الأكاذيب والإشاعات ويمارس الإرهاب ويروع الآمنين، لذلك فقد استقال منهما الكثير ممن لديه ضمير حيّ يفهم معنى هذه السلطة الرابعة التي يجب أن تنقل الخبر بعد التثبت والتريث والتحري وإلا كانت قناة فاسقة تصيب السوريين بجهالة فتصبح يوما نادمة على فعلتها حين لا ينفع الندم.