الشوشة موطن المنسيين

“انريكو اولياري”  بمساعدة ” صابر اليعقوبي “و “جاكمو دولزاني “

ترجمة غازي الدالي

مخيم الشوشة  أحد المخيمات التي احتضنت الفارين من جحيم الحرب الليبية بين الثوار و كتائب ألقذافي  ,يوجد في عمق الصحراء الشرقية للبلاد التونسية  وبالقرب من الحدود الليبية  .يعيش فيه منذ سنة  تقريبا  3600لاجئ من اليائسين المحبطين  في خيام تحيط ببها الرمال و الرياح القوية و العاصفة و مع تراجع إهتمام المجتمع الدولي لوضعيتهم بد أ أملهم يتلاشى تدريجيا  .
 “كان من المفترض أن يكون إيواء مؤقت و طارئ و لكن تحول ذلك إلى بناء مخيم و كل من آويناه هنا كان يأمل  في الحصول على اللجوء أو الترحيل “تحدث العقيد في الجيش التونسي و المسئول الأمني في المخيم  مضيفا ” اليوم الوضع تحسن بكثير مقارنة بما شاهدناه سابقا  حيث اضطررنا الى التعامل مع طوفان بشري زحف إلينا عبر الحدود  قرابة نصف مليون شخص فروا من ليبيا بسبب المواجهات  ,في هذا المخيم لوحده أوينا  50000شخص  إجمالا الأمر كان صعبا للغاية خاصة و إن بلادنا حينها كانت جد منهكة عقب خروجها من الثورة”
تحسن الوضع و لكن بما أن أعداد اللاجئين انخفضت إلى بضعة آلاف ,أين ذهب البقية ؟
“هؤلاء وجدوا أنفسهم عالقين في الشوشة لأسباب مختلفة بالنسبة للبقية عاد بعضهم إلى بلدانهم والبعض الأخر ركب قوارب الموت نحو السواحل الايطالية ” .
لماذا لايعود  العالقين هنا إلى بلدانهم ؟
“”اغلبهم قدم من المناطق المتضررة من الحرب مثل دارفور او الصومال او من البلدان التي تنتهك حقوق الإنسان مثل اريتريا و تشاد  وبعضهم عالق بسبب مشاكل بيروقراطية معقدة كما هو الحال بالنسبة للفلسطينيين ”
أو يعودوا  إلى ليبيا؟
“الوضع في ليبيا لا يزال حرجا للغاية و إطلاق النار لم يتوقف بعد”
في مثل هذه  الظروف الخاصة  من الصعب أن تتعايش بنجاح مجموعات عرقية مختلفة متآلفة من رجال و نساء  .
“الآن هدا الوضع و الأمور تحسنت  لقد حققنا نوعا ما من التوازن و لكن لا أنكر انه سابقا وقعت  توترات نتجت عنها أحداث دامية”
الهدوء و الصبر في الشوشة يعكسان تراجع اهتمام الرأي العام الدولي و لكن بمجرد مرور بعض الصحفببن بالمخيم لتكون الصدمة بعد الاطلاع على الأوضاع  عن قرب .
الكل يريد التكلم و عرض قصته مبديا رأيه لعل صوته يصل مرفوقا بطلبه إلى ابعد ما يكون  ربما إلى العالم بأسره لكي لا يتم نسيانهم و تركهم بين رمال الصحراء
احد الحلول =الفصل بين العائلات ؟
تعالوا  تعالوا  إلى خيمتي  أريد أن أخبركم كيف أنهم يريدون فصلي عن زوجتي و ابنتي ” وقف رجل مفتول العضلات  مهندس في الثلاثين من عمره  له طفلة تبلغ من العمر ثلاثة أشهر  غاية في الجمال  ” إنها من أخر مواليد المخيم ” يقول ذلك بينما زوجته مشغولة بإفساح المجال للقادمين الجدد
“آنا من غزة  كنت في مصر للسياحة و في القاهرة تعرفت على رجل ليبي  رافقته بعدها إلى ليبيا على أمل الحصول على وظيفة  لكن انقضت عشر أيام مدة إجازتي  فلم استطع العودة الى مصر ومن ثمة العود الى مسقط راسي و بالتالي اضطررت للبقاء في ليبيا خاصة و ان مطار غزة اغلق حينها بسبب الحصار الاسرائيلي “.
اسمه يوسف محمد  تحدث بنبرة صوت هادئة و لينة و تقريبا في حالة يرثى لها من  الاحباط جراء وضعيته الحالية “في ليبيا تعرفت على زوجتي ميساء و هي طبيبة اسنان فلسطينية او بالاحرى فلسطينية من اراضي 1948بالتحديد من حيفا  اضطرت اسرتها الى الهجرة الى لبنان بسبب الاحتلال الاسرائيلئ في نهاية الاربعينات ”
الا ترى انه من الافضل العودة الى غزة بدل العيش في مخيم للاجئين ؟
الامر ليس بهذه البساطة  هناك قانون يمنع سكان قطاع غزة من الزواج  في الدول العربية و العودة الى القطاع و بالتالي بما انني تزوجت في ليبيا زوجتي لا يمكنها ان ترافقني الى غزة اضافة الى ذلك ابنتي ولدت هنا  و الحل الوحيد الذي اقترحه علينا سفير السلطة الفلسطينية بتونس يقضي بفصل الاسرة لكي اتمكن من العودة الى غزة و زوجتي الى لبنان و لكن ابنتنا لا يمكنها ان تغادر تونس ” .
اذن للمحافظة على توحد اسرتكم قررتم البقاء في المخيم في انتظار ماذا ؟
“مؤخرا المفوضية العليا للاجئين اعطتنا الحق في اللجوء السياسي لذلك فاننا نامل ان يستضيفنا بلد اوروبي قريبا ” .
نوعان من العنصرية   واحدة في البشرة و اخرى في الراي
الناس في المخيم حاولوا ان يجعلوا حياتهم اكثر حيوية لذلك نظموا بعض الخيام في الخدمات العامة  اضافة الى المطبخين الذين يوفران 2000و1600وجبة  يوجد بالمخيم مكتبة و مدرسة للغة الانقليزية و ايضا بيت للصلاة و مقهى  وجدنا احمد جالسا فيه “انا هنا منذ 1ابريل من العام الماضي هربت من ليبيا على الرغم من انني ولدت في طرابلس  من عائلة سودانية مع اندلاع المواجهات قسمت المنطقة التي اقطن فيها الى نصفين (تقع بالقرب من مصفاة )فانفصلت عن عائلتي”احمد شاب في السادسة و العشرين من عمره من ذوي البشرة السوداء خاصية كانت كافية لاتهامه بالانتساب الى  المرتزقة الذين جلبهم القذافي لاخماد الثورة “المهاجرون في ليبيا حتى ابناء الجيل الثاني كما هو لحال بالنسبة لي لا تمنح لهم الجنسية”و بحسب قوله ” انت اجنبي اسود اذن انت موال للنظام السابق  نظرا لكون افريقيا و الافريقيين كانوا من المقربين للعقيد القذافي و في عهده كانوا يتمتعون بالترحاب و الحماية و حسن الضيافة  انا من عائلة سودانية و هذا يكفيهم لينسبوني الى المرتزقة”.
لم يعرض عليك الانضمام الى القوات الموالية للعقيد القذافي زمن الحرب؟
امر طبيعي فبمجرد الانضمام الى تلك القوات تحصل على الجنسية الليبية و تحصل على المال مع امكانية مواصلة الدراسة و لكنني رفضت و هربت و في طريقي الى هنا اعترضتني عديد نقاط تفتيش سمحوا لي بالمرور بعد ان صادروا كل ممتلكاتي بما في ذلك الهاتف و الكاميرا “.
بعد عبور الحدود و جدت المخيم  كيف كان الوضع؟
الوضع كان سيئا للغاية  وصل الى هذا المخيم قرابة 50000شخص  لم يتوفر الغذاء و الماء و الادوية و الملابس  و عدد الخيام لم يكن كافيا و الحمامات هي الاخرى كانت في حالة سيئة  المخيم باكمله لم يكن كما نراه اليوم  كان مقسما الى مجموعات عرقية مختلفة  لقد اقيمت ثلاث مخيمات متجاورة تديرها الامم المتحدة و الصليب الاحمر و الامارات العربية المتحدة “.
التوترو القلق كانا سيدا المكان ؟
يوم 25ماي حصل تمرد و مسيرة احتجاجية باتجاه مدينة بن قردان  فقام الجيش التونسي بحماية المدينة و سكانها  و رافق ذلك اعمال شغب من قبيل اشعال النار في سيارات ليبية توفي على اثر تلك  الاحداث خمس اشخاص ” .
ماهي المشاكل التي تعترضكم اليوم ؟
“كل اللاجئين في حاجة الى مشورة قانونية مستمرة  ,ياتي هنا من وقت الى اخر احد المحامين و لكن ذلك لا يكفي لمتابعة مشاكل كل لاجئ على حدى  .
لم يبق لنا الا ان ننتظر و نامل التفاتة من المجتمع الدولي او نهاية الشتاء و عودة مياه البحر الابيض المتوسط الى الهدوء مجددا”.هل انت مستعد الى العودة الى ليبيا في حال حصلت المصالحة   الوطنية؟
“يعامل السود الان بشكل سيء في ليبيا   فهم في نظر الليبيين اما مرتزقة او افراد من قبائل الجنوب التي تدعم القذافي باختصار العنصرية هناك في اللون و في الراي ايضا”.
الذهاب الى السويد باقصى سرعة؟
“اسمي غير مهم و لكن قصتي تشير الى كوننا كثيرا ما ننسى اننا جميعا بشر سواء “هكذا بدا شاب صومالي يبلغ من العمر 20سنة حديثه “كنت اعيش مع عائلتي في مقديشوا  يقع منزلنا بالقرب من المطار و في احدى الليالي سقطت صواريخ على منزلنا و اصيبت انا و اخوتي ببعض الشظايا كانت ساقي قد بطرت  و في المستشفى اخبرونا انهم غير قادرين على ان يقدموا الرعاية الازمة لنا لذلك اخذتني امي الى كينيا (نيروبي)لاجراء عملية جراحية على ساقي و بينما كنت تحت تاثير المخدر قاموا باستئصال كليتي و بيعها دون موافقتي و دون ان احصل على شيئ في المقابل  بعد ذلك وفرت لي امي المال و ارسلتني الى ليبيا نظرا لان الاوضاع في مقديشوا كانت متوترة للغاية  كنت اعمل في ارض القذافي   و في مارس من العام الماضي  كنت في طريقي الى مكان سكنتي فوجدت مظاهرات و احتجاجات و نتيجة اللخبطة و الفوضى  اعتقلتني الشرطة  و تعرضت بعدها للتعذيب لمدة ثلاث ساعات دون توقف بواسطة الاسلاك الكهربائية”.
وحشية رهيبة لمجرد احتمال المشاركة في احتجاج؟
طلبوا مني مبلغ مالي 1500يورو…لم تفلح صيحاتي و توسلاتي في ثنيهم بل كانوا يصرون على الضرب و الصعق بالصدمات الكهربائية دون رحمة او شفقة  الى ان دخلت في غيبوبة  استمرت الى 22يوما لاستيقظ بعدها في احدى مستشفيات طرابلس  وجدت بجانبي طبيبا صوماليا فسر لي ما حدث و نصحني بمغادرة ليبيا  فقمت بالاتصال باحد اقربائي يعيش في الولايات المتحدة الامريكية أرسل لي بعض النقود مكنتني من الوصول الى تونس فقط اريد الذهاب الى السويد ذاك هو حلمي”
وضعيات مؤسفة لاشخاص وجدوا انفسهم  ضحايا الاحداث التي جدت في ليبيا  اشركوا في حرب لا ناقة و لا جمل لهم فيها  بدا الياس يتسرب الى نفوسهم و كل ما ياملونه ان تعود حياتهم كما كانت  .الجميع اراد التكلم و شفي غليل الصدور بالحديث عن الوضعية الخاصة  و اكتفينا باغرب هذه الشهادات  رجل سوداني عمل في ليبيا لمدة 22سنة اليوم عالق في المخيم لا يستطيع الالتحاق بزوجته و بناته في اسبانيا لكي لا تضيع ثمار عمله بعد ان يتخلى عن الشكاية التي قدمها هو و زملاؤه ضد شركة النفط الكندية  التي كان يعمل فيها و التي فر مالكوها عبر الجو  قصة اخرى لرجل تشادي فر من الحرب و لا يمكنه اليوم العودة الى ليبيا بسبب اتفاقية بين الحكومتين تنص على محاكمة العسكريين السابقين  شاب اخر صومالي يبلغ من العمر30سنة اجرى عملية جراحية في المخيم ملقى في احدى الخيام دون  ان يتلقى أي عناية في العشرين يوما الاخيرة
“رغم الظروف الصعبة لا يزال هناك الكثير من التضامن بين اللاجئين فمن هم احسن حالا يبذلون جهدا في مساعدة الاخرين “تحدث متطوع دنماركي ينتمي الى منظمة الاغاثة الدنماركية “للاسف الارهاق و التعب بادي على ملامح وجوههم  مجبرون على المكوث في خيام في فصل الصيف تصبح كالافران من شدة الحر اضافة الى الخوف الذي يملئ قلوبهم مما قد تحملهم اليهم الايام القادمة من مفاجئات في هذا المخيم”. بالرغم من ذلك العلامة الوحيدة المضيئة هي تواجد بعض الممثلين للمجتمع الدولي
عديد المنظمات غادرت المخيم و لكن المفوضية العليا للاجئين لن تغادرقبل ان تحل هذه المعظلة بصفة نهائية”.”

إنفراج الوضع في مخيم الشوشة لا يزال بعيد المنال لذلك لابد من اعادة توجيه الاهتمام بهؤلاء العالقين و خاصة  تجنب المعلومات المغلوطة لتي يسوقها بعضهم.

Versione in italiano