المفقودين في السجون السرية: الشيخ احمد محمد الأزرق

بشرى جميل

أثارت قضية شيخ شار نيكول الكثير من الجدل في هده الفترة على الساحة التونسية و أضحت حديث العديد من المواطنين و خاصة منهم الحقوقيين و بالتحديد منظمة حرية و إنصاف التي تبنت معاناة عائلته إيمانا منها بالظلم الذي تعرض له هدا الشيخ المجاهد المفقود منذ ربع قرن.  و لكن حين يقع الماضي في مفارقة مع الحاضر نكتشف سرا دفينا يطرح العديد من التساؤلات التي تكشف حقائق خفية يخشى فيها الجاني على نفسه فيبذل قصارى جهده في أن  يبرئ نفسه من جميع الملابسات و الاتهامات.

فماهي الهوية الحقيقية لشيخ شار نيكول  و ماهي الأسباب الواقعية  التي ساعدت على اختفائه و السكوت عن حقه حتى بعد الثورة ؟
 في سبتمبر 2011 بعد ان تلقت رئيسة منظمة حرية و إنصاف إيمان طريقي و هي حقوقية مستقلة تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان و الحريات الأساسية في تونس و في الوطن العربي و في العالم  نداءا من هاجر المتيري صحافية بجريدة الساعة  تستنجدها بحالة حرجة لشيخ مريض ملقى في مستشفى شار نيكول  فتوجهت الأستاذة  مع شباب المنظمة و رمزي بالطيب صحافي بالجريدة الالكترونية ” المشهد التونسي” على عين المكان لاستقصاء الوضع , فشوهد ما لم يكن في الحسبان و لا حتى في الخيال , فوجؤوا  بوجود شيخا هرما ضعيف الحال و في صحة سيئة جدا مقيد بالسلاسل من طرف رجليه و الدود ينهش لحمه  و لكن الادهى و الامر انه بدون أي عناية طبية بل كان هناك في المقابل  حراسة مشددة من أعوان الأمن بالسجون و الإصلاح.                                                            
في هذا الوضع المخجل كان لابد من التدخل و إنقاذ هاته الروح البشرية المجهولة الهوية فبادرت الأستاذة في التعرف على هذا الشخص كان  الرد مزيفا و أعاروه اسم عبد الملك السبوعي  و البسوه تهمة سرقة محل سكني, لكن إذا تمعنا جيدا في حالته لا نجد من يفند هذه الأكاذيب. و بعد إلحاح نقل المزعوم انه عبد الملك السبوعي إلى العناية المركزة و بعد أسبوعين أعلنوا انه فارق الحياة في ظروف غريبة جدا.                                                                                                    
  يمكن القول انه جاهلا من لايعلم أن الحق لا يمكن أن يضيع مهما طال الانتظار و خاصة حين يكون الضحية هو من ترك لأبنائه وصية مفادها ان ليضيعوا حتى قطرة دم منه و لا يتخذوا من الصمت منهجا لحياتهم. و فعلا هذا ما دلهم إلى الطريق الصحيح, بعد مرور خمسة و عشرين سنة من القهر و الضياع تعرفت العائلة عليه من خلال صوره المنتشرة على صفحات الفايسبوك و يتزامن ذلك مع  تعتيم إعلامي كبير, فتوجه ابنه عماد بالأزرق فورا إلى المنظمة بعد ان تراءى له بصيص الأمل و لمح روح الحقيقة  التي رفعت لفترة طويلة                                                                                         
و كان اللقاء و أشعت الحقيقة بنورها على من ذواقو طعم الحرمان و الفقدان للأب المجاهد الشيخ احمد محمد لزرق.                                                                                                   
من هو احمد محمد الازرق و لماذا يحتفظ به حتى بعد الثورة التي اطردت من ارض تونس الحرة من كان سببا في اختفائه ؟                                                                                        
الشيخ احمد محمد الأزرق وليد المكنين في 12 جويلية 1927 احترف الصحافة حيث كان يحرر المقالات بجريدة منبر الشرق و مجلة الدعوة و الهدف اللبنانية و الأيام السورية و عمل محرر بجريدة طرابلس الغرب بعد أن هاجر فارا من الاستعمار إلى طرابلس  ثم شغل منصب كاتب عام بنظارة المواصلات أيام  الملك السنوسي اثر ذلك نعرض لمضايقات من اجل مقالات المناهضة للملكية فغادر إلى الجزائر ثم إلى المغرب أين انشأ حركة البعث الإسلامي و من هناك إلى سوريا اين درس الأدب العربي بثانوية معاوية و المأمون بحلب و بقي هناك إلى سنة 1956 و كانت تونس قد نالت استقلالها الداخلي.تدخل له صديق يدعى الفضيل الورتلاني و كان على صداقة بالرئيس بورقيبة فوعده هذا الأخير بالعفو عليه و بإمكانية عودته إلى ارض الوطن . و عند عودته القي القبض عليه بالمطار و سجن لم لمدة سنة ثم وقع استدعاءه من طرف الباهي لدغم حيث عينه صحفي بجريدة العمل الناطقة باسم الحزب و منها إلى الإذاعة التونسية أين نشط  عدة برامج و ساهم في إنشاء مجلة الإذاعة و التونسية كما اختص بنا ليف و اقتباس مسرحيات كانت تذاع ليلة الأربعاء على موجات الإذاعة إلى اكتشفت مؤامرة 1962 فزج به في السجون و بعد حوالي سنتين أفرج عنه ووقع فصله عن عمله و حرم من العمل في القطاع العام و حرم من جميع حقوقه و من مغادرة البلاد ا.اشتغل بالتجارة و أسس شركة للتوريد و التصدير و بقي يحرر للصحف مثل الصباح و الراي و خاصة مجلة المعرفة و المجتمع التي كان يحرر فيها بانتظام و تحت اسم مستعار “ابو عماد”… ثم وقع التضييق عليه في السنوات الأخيرة مع رفض الإدارة لكل رخصة في التوريد يتقدم بها و ذلك بسب نشاطه في مناهضة النظام الحاكم. في سنة 1982 كلف بمهمة لنقابة الموردين و المصدرين و كان له لقاء بمحمد مزالي الذي منحه جواز سفر و شهادة عفو لاسترداد حقوقه في نفس الفترة غادر الوطن على متن شاحنة و انطلق في رحلة برية حملته إلى المملكة العربية بعد مروره بعدد من الأقطار العربية الأوربية أين تحصل على الإقامة و عين عضوا برابطة العالم الإسلامي بجدة مكلفا بالقضية الأفغانية أيام الاجتياح السوفيتي.                                          
قي ظل هذه الظروف كان الرئيس المخلوع زين العابدين بن على يعد مخططا لتوريط الشيخ احمد محمد الأزرق في قضية ما حتى يتسنى له التقرب من بورقيبة و ان يحضى بثقته فنجح في أن يوهمه بوجود مجموعة إرهابية تسعى إلى اغتياله اذ تزامنت مع ظهور حركة أطلقت على نفسها اسم ” ألوية الجهاد ” قامت ببعض العمليات التي استهدفت بعض المؤسسات في ذلك الوقت حسب ما أشيع فكانت الفرصة المنشودة حيث وقع إقحام الشيخ في هاته المجموعة و اعتبروه الرأس المدبر و الفعال                  
و في أواخر شهر جوان 1986 نحصل المخلوع على موافقة المملكة العربية السعودية لتسليم المناضل احمد محمد الأزرق و هو لاجئ سياسي لديها في إطار صفقة عقدها المستبد بن على الهارب مع الأمير نايف ابن عبد العزيز وزير الداخلية في المملكة السعودية مع الأمير تركي الفيصل رئيس جهاز مخابرات السعودية فوقع جلبه 28 أوت 1986 و حكم عليه بالإعدام و في تلك اللحظة اختار الشيخ أن تكون كلمة الفراق ” خذولي حقي و لن أتسامح في اي قطرة من دمي ” و منذ ذلك اليوم المرير اختفى احمد محمد الأزرق و إلى الحد الآن و حتى بعد الثورة و هروب المجرم الحقيقي لهذه المأساة  مازال الصمت يخيم على الواقع و لا حركة لهذا السكون.

اين ” ابو عماد “, اين الرجل الذي كان كل ذنبه انه اختار طريق العلم و العمل و المعرفة و الاجتهاد و الجهاد في سبيل العيش بكرامة و محاربة القمع و الاستبداد و إحقاق الحق في زمن طغت فيه الدكتاتورية و حب السلطة.